تمثل جدة التاريخية جوهرة ثمينة على ساحل البحر الأحمر، فهي ليست مجرد مدينة سعودية ذات موقع استراتيجي، بل هي سجل حي يروي قصص الأزمان القديمة، وتاريخًا ممتدًا يتقاطع مع الحضارات والتجارة والحج عبر القرون، تقع هذه المنطقة العريقة، المعروفة باسم “جدة البلد”، في قلب المدينة الحديثة، وتُعد من أبرز المناطق التراثية التي حافظت على هويتها الثقافية والمعمارية.
تحاكي جدة التاريخية في طابعها العمراني والمعماري إرثًا حضاريًا فريدًا، تميزت به عن سائر مدن الساحل الغربي للجزيرة العربية. حيث طُرزت مبانيها بالأخشاب المنقوشة، وزُينت شرفاتها بروشانٍ حجازي فريد لا مثيل له، شوارعها الضيقة، وممراتها المتداخلة، وأسواقها القديمة، ما زالت تحكي قصص سكانها، من تجار وصناع ومارة وحجاج قدموا من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
رغم وجودها التاريخي الممتد منذ ما قبل الإسلام، برز دور جدة بشكل بارز خلال عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي أمر بجعلها ميناءً رئيسيًا لمكة المكرمة عام 26 هـ. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المدينة محطة أساسية للحجاج والتجار والمسافرين، ما أكسبها أهمية دينية وتجارية كبرى.
أهم المناطق التاريخية في جدة: عبق الماضي وروعة الحاضر
تحتضن جدة التاريخية مباني عمرها مئات السنين، صُممت باستخدام الحجارة المرجانية المستخرجة من البحر الأحمر، وخشب الساج المستورد من الهند، وتُعرف واجهات هذه المباني بالروشان، وهي شرفات خشبية مشغولة بدقة، تستخدم للتهوية والتظليل، وتعكس الذوق الحجازي التقليدي. ومن أبرز المعالم المعمارية:
- بيوت تاريخية مثل بيت نصيف وبيت باعشن، التي تحولت إلى معالم ثقافية.
- المساجد العتيقة التي ما زالت تُقام فيها الصلوات حتى اليوم، مثل مسجد الإمام الشافعي ومسجد عثمان بن عفان.
حارات جدة القديمة: أحياء تحكي التاريخ
تتوزع جدة التاريخية إلى عدة أحياء قديمة، لكل منها قصة ونكهة خاصة:
- حارة المظلوم: الأقدم بين الحارات، وتضم مسجد الشافعي وسوق الجامع.
- حارة الشام: وتحتوي على منازل تاريخية مثل دار السرتي.
- حارة اليمن: وتُعرف بقربها من البحر ومساكنها التراثية.
- حارة البحر: تطل مباشرة على البحر الأحمر، وكانت ملتقى للتجار والصيادين.
الأسواق التاريخية: روح الحياة اليومية
لطالما كانت الأسواق في جدة التاريخية شريانها الاقتصادي والاجتماعي، حيث يجتمع الناس لشراء حاجياتهم، وتبادل الأخبار:
- سوق البدو: تخصص في الحبوب والبهارات، وكان ملتقى البادية والحضر.
- سوق العلوي: يُعرف بالحركة التجارية النشطة، ويشتهر بالأقمشة والبهارات.
- سوق الصاغة: مركز لتجارة الذهب والفضة، ولا يزال نشطًا حتى اليوم.
- سوق الحراج: وجهة الباحثين عن السلع القديمة والنادرة بأسعار مزاد.
المساجد: روحانية الزمان والمكان
تضم جدة التاريخية عددًا من المساجد العتيقة، التي تعكس العمق الديني والروحاني للمنطقة:
- مسجد الإمام الشافعي: من أقدم المساجد في المدينة، ويتميز بتصميمه المربع وصحنه المكشوف.
- مسجد عثمان بن عفان: المعروف بمسجد الأبنوس، لبنائه بعناصر خشبية نادرة.
- مسجد الباشا: شُيد في القرن الثامن عشر، وكان علامة فارقة في حارة الشام.
الصناعات والحرف اليدوية: تراث حي
عرفت جدة التاريخية بازدهار حرف يدوية كثيرة، منها:
- النجارة التقليدية: مثل صناعة الروشان والأبواب الخشبية المنقوشة.
- الخوصيات: استخدام سعف النخيل في صناعة المكانس والحصير والمراوح.
- صناعة الهدايا الخشبية: التي ما زالت تنتج حتى اليوم وتُعرض في متاجر جدة التراثية.
جهود المملكة في الحفاظ على جدة التاريخية
أولت المملكة العربية السعودية، منذ عهد الملك عبدالعزيز، أهمية كبيرة للحفاظ على جدة التاريخية. واستمرت الجهود في التطوير والترميم، حتى تم إدراج المدينة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2014. وقد أطلقت مشروعات كبرى تهدف إلى تحويل المدينة إلى وجهة ثقافية وسياحية عالمية، مع الحفاظ على هويتها الأصلية.
شاهد أيضاً:
جبال الهدا إطلالة فاتنة على جمال الطبيعة وعبق التاريخ
أفضل 4 جبال في أبها عليك زيارتها
الطائف مدينة الورود والطبيعة الخلابة في قلب جبال الحجاز