منذ العام الماضي، شهدنا تقدمًا كبيرًا في تنفيذ مشروع “قطار الخليج”، وهو مشروع ضخم طال انتظاره لربط دول مجلس التعاون الخليجي ببعضها البعض من خلال شبكة سكك حديدية موحدة، ويعتبر هذا المشروع ثاني أطول شبكة سكك حديدية في آسيا بعد سكك حديد الصين، وهو مشابه لمشروع قطار أوروبا الذي يربط دول الاتحاد الأوروبي ببعضها.
وتمثلت الاستثمارات في قطاع السكك الحديدية بمنطقة الخليج في مبلغ ضخم يبلغ 150 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد المسافرين الذين يستخدمون السكك الحديدية في دول مجلس التعاون الخليجي 8 ملايين مسافر سنويًا بحلول عام 2050.
ومن المتوقع أيضًا أن يلعب مشروع قطار الخليج دورًا هامًا في دعم النمو الاقتصادي وتعزيز التنمية في المنطقة، وسيسهم في تنويع وسائل النقل وتقليل تكاليف النقل، مما سيسهم في تعزيز الربط الاقتصادي بين دول المنطقة وتعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بشكل عام، ويعد هذا المشروع إنجازًا كبيرًا ومهمًا لمنطقة الخليج ويعكس التزامها بتطوير بنية تحتية حديثة ومتقدمة.
متي بدأت الفكرة؟
منذ عام 2008، بدأت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، وهي البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بالتطلع إلى إنشاء خط سكة حديد يربط بين هذه الدول الأعضاء، وفي القمة الخليجية الثانية والأربعين التي عقدت في ديسمبر 2021، اتفق قادة هذه الدول الست على تأسيس هيئة السكك الحديدية لدول مجلس التعاون الخليجي، وتم تكليف هذه الهيئة بالمهمة الحيوية لتنفيذ هذا المشروع الضخم، الذي سيعزز التكامل الاقتصادي والاجتماعي بين هذه الدول، ويعزز التجارة والتنقل السهل للبضائع والأشخاص عبر الحدود الوطنية، إلا أن المشروع واجه عقبات بسبب تحديات تمويله التي تفاقمت بانخفاض أسعار النفط في عام 2014، وانتشار جائحة كورونا؛ مما أدى إلى تأخيره.
ما أهمية ربط دول الخليج بسكك حديدية موحدة؟
من المتوقع أن يكون مشروع “قطار الخليج” عاملاً مهماً في دعم التنمية الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي وتعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي. يتوقع أن يحقق المشروع العديد من المزايا والفوائد الاقتصادية، بما في ذلك:
- تعزيز حركة التجارة: سيساهم المشروع في زيادة حركة التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث سيوفر وسيلة نقل فعالة وسريعة للبضائع والركاب بين هذه الدول.
- خيارات بديلة للنقل الجوي: سيقلل المشروع من الاعتماد على النقل الجوي كوسيلة رئيسية للتنقل بين الدول الخليجية، مما يسهم في تقليل الازدحام في المطارات وتوفير وسيلة نقل أكثر استدامة بيئياً.
- تخفيض تكاليف النقل: سيقلل قطار الخليج من تكاليف النقل بين الدول الخليجية، مما يعزز التجارة ويسهم في تحقيق التوازن الاقتصادي بين الدول.
- دعم الصناعات الوطنية: سيقوم المشروع بدعم الصناعات الوطنية في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال توفير وسيلة فعالة لنقل المواد الخام والمنتجات النهائية.
- خلق فرص عمل: سيوفر المشروع فرص عمل للمواطنين في دول مجلس التعاون الخليجي، مما يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات المحلية.
- تعزيز القدرات والمهارات: سيساهم المشروع في تطوير القدرات والمهارات المؤسسية المطلوبة لإدارة وصيانة السكك الحديدية، مما يعزز استدامتها.
- تعزيز التعاون الإقليمي: سيمهد المشروع الطريق لتعزيز التعاون الإقليمي بين دول مجلس التعاون الخليجي وقد يساهم في إنشاء اتحاد جمركي مشترك وسوق مشتركة في المستقبل، مما يعزز الوحدة الاقتصادية في منطقة الخليج.
إحياء المشروع من جديد
بدأ إحياء فكرة مشروع قطار الخليج من جديد بعد الإعلان الرسمي من قبل أمانة مجلس التعاون الخليجي في عام 2021، حيث تم إعادة تنشيط المشروع بشكل فعّال. وقد أعطت دول مجلس التعاون الخليجي موافقتها على إنشاء هيئة موحدة للسكك الحديدية خلال شهر ديسمبر من عام 2022.
وفي سياق هذا المشروع، وافق وزراء النقل والمواصلات في دول مجلس التعاون الخليجي على البرنامج الزمني للمرحلة التأسيسية للهيئة الخليجية للسكك الحديدية خلال عام 2022، ويُتوقع أن يتقدم مشروع قطار الخليج بتقدم كبير بحلول نهاية عام 2023، مما يمهد الطريق لتشغيله بحلول عام 2025.
وهذا المشروع سيكون له أثر كبير على تعزيز التواصل والتجارة بين دول المنطقة، وسيسهم في تعزيز التكامل الاقتصادي والاجتماعي بين الدول الخليجية، وسيوفر هذا المشروع وسيلة مواصلات فعالة ومريحة للمواطنين والزوار في المنطقة، مما يعزز من قدرتهم على الانتقال بسهولة وسلاسة داخل الخليج.
مراحل المشروع
من المقرر أن ينطلق مشروع قطار الخليج على مراحل مختلفة، حيث ترتبط المرحلة الأولى بربط دول الإمارات والسعودية وعمان، ومن المتوقع افتتاح هذه المرحلة بنهاية عام 2023، وستشمل المرحلة الثانية ربط البحرين وقطر والكويت.
ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من تنفيذ المشروع بشكل كامل وبدء التشغيل في عام 2025، ويُذكر أن تكلفة المشروع الإجمالية ستبلغ حوالي 15.5 مليار دولار، وفقًا لما أعلنه مسؤولون في دول مجلس التعاون الخليجي.
مسار قطار الخليج
يبدأ قطار الخليج مساره من مدينة الكويت في الشمال، حيث يمتد لمسافة تبلغ 2177 كيلومتراً، ويتحرك هذا القطار بسرعة تصل إلى 220 كيلومتراً في الساعة، ماراً بمدينة الدمام في المملكة العربية السعودية، ثم يتجه إلى العاصمة البحرينية المنامة، ومنها إلى العاصمة القطرية الدوحة، ويتوجه بعد ذلك إلى الإمارات العربية المتحدة عبر مدن أبوظبي والعين، ومنها يتوجه إلى العاصمة العمانية مسقط عبر مدينة صحار.
اكتمال الربط بين عواصم الدول الخليجية
إطلاق مشروع “قطار الخليج” يتوقف على استكمال الربط بين عواصم دول مجلس التعاون الخليجي. هناك تقدم كبير في مشاريع السكك الحديدية في المنطقة، حيث تمت الموافقة في عام 2022 على إعادة تشغيل خط السكك الحديدية الذي يربط بين السعودية وقطر.
كما تعاونت عمان مع السعودية لإنشاء خط سكة حديد يربط الدقم بالرياض، بهدف خدمة المنطقة الاقتصادية المخطط لإنشائها في منطقة الظاهرة بسلطنة عمان.
في سبتمبر 2022، أطلقت الإمارات وعمان شركة “عمان – الاتحاد للقطارات” لتنفيذ شبكة سكك حديدية تمتد على طول 303 كيلومترًا لربط البلدين.
وتمت الموافقة من قبل السعودية على اتفاقية لإنشاء خط سكك حديدية يربط المملكة بدولة الكويت، كجزء من مشروع الربط السككي لدول مجلس التعاون الخليجي.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مشروع جسر الملك حمد الذي يهدف إلى ربط البحرين والسعودية بوسائل النقل السككي، وأيضًا مشروع “جسر المحبة” الذي يهدف إلى ربط قطر والبحرين بشبكة سكك حديدية.